وُلد ناصر في السابع و العشرين من شهر أبريل لسنة 1948 في قصر الشعب بمدينة الكويت ، وهو الأبن الأكبر لأمير دولة الكويت الخامس عشــر الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي تولى مسند إمارة دولة الكويت في عام 2006 .
عندما كان شاباً فتياً ، إستلهم ناصرالكثيرمن نهج والديه في شتى مجالات الحياة ولقد رافقته خصالهم وسماتهم الحميدة طوال مسيرة حياته . فقد كانت والدته الشيخة فتوح سلمان الصباح امرأة أنيقة بكل معنى الكلمة ولديها شغف وتقدير وحب للجمال والعطاء .
نعم.. لقد تعلَّم منها أن ينظر إلى الأشياء من منظور جمالي ، وتعلَّم من والده الأمير الراحل الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح (أمير دولة الكويت للفترة من 2006-2020) ، أهمية وضع هدف له في الحياة والمثابرة والعمل الجاد لتحقيق ذلك الهدف المنشود.
تعلَّم ناصر معنى المسؤولية والإهتمام بالآخرين وذلك لكونه أكبر أخوته وهم سلوى والأخوين حمد و أحمد (الذي توفي وهو طفل صغير).
ذكريات ناصر من الحياة في قصر الشعب مع الأمير عبدالله السالم
حظى ناصر بتعليم خاص وإنتقائي ، ففي منتصف الستينيات ، أرسله والده إلى مدرسة سانت جورج التى تأسست عام 1899 بالقدس ، وهي مدرسة أنجيليكية داخلية تعتبر صرحاً تاريخياً تربوياً وثقافياً ساهمت فى تشكيل شخصية ناصر وهويته وثقافته ، ومن أبرز طلاب تلك المدرسة ، ديميتري برامكى ، وزياد رفيق بيضون ، وإميل جوري ، وإسماعيل خالدي ، ومانوج مانوجيان ، ومفيد النشاشيبى ، وسري نسيبه ، وستاف برودرومو ، وإدوارد سعيد ، وإبراهيم طوقان.
ولقد كان له أن وجد شَغَفه بفنون العالم الإسلامي هناك أيضاً في البلدة القديمة بالقدس .
التحق ناصر بعد ذلك بجامعة الكويت ودرس القانون ، إذ تميز أكاديميو ذلك العصر بروح التحدي والمثابرة ، وهكذا باشر ناصر العمل على تطوير كافة المهارات المطلوبة لتحقيق النجاح . وبعد عامين ترك الكلية وتولى ادارة أعمال الأسرة ، والتي أصبحت آنذاك محط تركيزه واهتمامه التامين .
و لقد كان فى شهر يونيو من سنة 1969 تحديداً ، أن اطل محور ثالث مؤثر وراسخ في حياته ، فقد تزوج من الشيخة / حصة صباح السالم الصباح ، والتي أضافت الكثير من التغييرعلى حياته. وبالفعل ، كانت تبعث فى روحه التحدي أكثر من أصدقائه و زملائه ، فقد كانت تطرح العديد من الأسئلة حول فنون العالم الإسلامي ، وحول الأفكار والخطط ومخططات العمل والمناسبات اليومية.
كما كانت تعرض رأيها الخاص في الشؤون الجارية والتاريخية والقضايا الثقافية الأخرى . لقد حفَّزت مناقشات ومباحثات الأخذ والعطاء فيما بينهما على تعزيز قدراتهما الذهنية وتطويرها ، وتوسيع نطاق المعرفة لدى كل منهما.
ولقد كان السفر إلى المواقع التاريخية وزيارة المتاحف والمعارض الفنية حول العالم والقراءة عن الفن و التاريخ بشكل خاص ملاذاً حتمياً بالفعل للشيخ ناصر. وأما بعد الزواج بالشيخة حصة ، فقد بات لهذا الشغف تطبيق جديد ، شاركته زوجته كافة جوانبه.
ومع نمو الخبرات والمعارف لدى ناصر ، ازداد عدد أفراد عائلته المكونة من ثلاث بنات (دانا – بيبى – فتوح) وثلاثة أولاد وهم (عبد الله – صباح – فهد) وهنا وجد نفسه يمارس دورًا جديدًا، ألا وهو دور ” رب الأسرة ” ولقد بدى من الواضح جداً انه قد عاش من خلاله أجمل أوقاته.
كان ناصر أبًا محبًا يسعد بقضاء وقته مع أبنائه ويحرص على توجيههم وتعليمهم ليصبحوا ما هم عليه الآن ، كأفراد مجتمع واعيين وكمهنيين كلٍ في مجاله .
عاش الشيخ ناصر صباح الأحمد الجابر حياة تزينها البساطة ويجملها التواضع ويحركها الإيمان بالعلم، ويجذبها عشق المواهب، لم يكن المقام الاجتماعي الذي خرج من أحضانه من أولوياته في قيم الحياة.
تعرفت عليه في منتصف الستينيات من القرن الماضي، فقد كنت مديراً لمكتب والده الشيخ صباح الأحمد، وزير الخارجية، ومن التزامات العمل الوجود أحياناً في فيلا الوالد داخل قصر دسمان، فأراه، وأصبح التواصل طبيعياً، وبعض الأحيان يتحدث والده معنا عن تعليمه في حرص على أن يواصل دراسته الجامعية وألا يتوقف، وأذكر أن الشيخ ناصر انضم إلى جامعة الكويت ودرس الحقوق لفترات، وشعرت من أحاديثه معنا عندما يزور الوزارة أو في المنزل بأن له مفهوماً خاصاً في حياته غير المفاهيم التي عاشت فيها أسرته.
كان من الذين يرون بأن النجاح صناعة وليس وراثة، وأن المواهب حصيلة الجهد، وأن العلم متوفر للباحثين العاشقين.
في جامعة الكويت أحاط نفسه بصداقات مع طلاب من مختلف المنابع، بعضهم ممن يكافح ليعلو، وبعضهم مفتون بأفكار من حصيلة قراءات حول أيديولوجيات خارج خريطة الحوارات الكويتية المعتادة، وزامل طلاباً بتطلعات للدراسة خارج الكويت، طغت عليه قناعات بأن العلم لا يأتي من محاضرات فقط، وإنما من عشق للمعرفة، فتحول الشيخ ناصر إلى باحث في الكتب والمراجع، من دون أثقال المذاكرة والامتحانات، فقد كانت هواياته متنوعة لا ترضيها مقررات الجامعة.
كان يقرأ لنفسه ويزيد من اتساع آفاقه الفكرية عبر كتب التاريخ، وفي فترة ما، كان قريباً من أفكار جان جاك روسو، في رفضه للطغيان ومعارضته لأبهة المال وحملته من أجل المساواة، وحبه لسيادة القانون، وزاد في خطواته لملاحقة الثقافة، واستحسن ندوات الحوارات، يتعاظم الجدل الفكري فيها، واستولت عليه أسرار الحضارات وما تفرزه من تباين في الثقافات، فاتجه بقوة لاكتشاف كنوزها، فأجل اهتماماته الداخلية، وراح إلى الهند وغاص في بطن تنوعاتها، وطرق أبواب التراث الإسلامي، وفتح الأقفال وتداخل مع علماء التراث في الهند ومع الملاك من المهراجا، ومع مرور الوقت أصبح هذا التراث عشقه، يتناغم معه ويسرد تفاصيله، وتحول إلى راوي يردد أصول القطع النادرة، ومن ملكها وعن تحولاتها في مجرى التاريخ.
في أواخر الستينيات، وبناء على تعليمات من والده، الشيخ صباح، أعددنا بطاقات دعوات زواج الشيخ ناصر من الشيخة حصة صباح السالم، في قاعة الاحتفالات في قصر دسمان، شارك في الحضور جميع الأطياف من السياسيين ومن الشباب ومن المقربين منه، ووقعت الشيخة حصة في حب التراث الإسلامي، وخرج من هذا الزواج المبارك ثنائية ثقافية فكرية تنوعية أكبر حصادها ما نراه الآن في مبنى المستشفى الأميركي الذي تحول إلى متحف إسلامي نادر تشرف عليه الشيخة حصة، وبرز الشيخ ناصر راعياً للثقافة، ومقرباً من تجمعات الشباب، وبقدر اتساع ثقافته، تفتحت شهيته لتنوع الحوارات في مجالسه، فتقارب مع اليساريين في الكويت، وشيد بعضهم صداقات خاصة معه، ومع المعتدلين الذين وجدوا فيه ناقداً للأوضاع ومتعطشاً لعلاجها، عادلاً في أحكامه، متفهماً لأوجاع الأغلبية من الكويتيين، متجاوزاً جميع المصدات الاجتماعية ومتفهماً لطموحات المجتهدين.
كان الشيخ ناصر أقوى صوت في حماية حرية الرأي وضرورة احترامه وقبول كل الآراء المتاحة طالما تخلو من تحريض للعنف، كان يبشر بهذه الحقيقة في كل محفل وكل ملتقى.
في مناسبات كثيرة رأيته يدافع عن مقالات كان والده يرى فيها خروجاً عن المعتاد، وكان يناقش بهدوء ويدافع بقناعة، ويثمن مساهمات المعارضين الصادقين، وكثيراً ما كان يشيد بشخصيات لها مواقف متصلبة، كان يهمه صدق القول.
كسب الشيخ ناصر كثيراً من تنقلاته المستمرة بين ثقافات العالم، مدنها وساحلها وزققها، فكان يتملك ما يعجبه من قطع أثرية، وبأي مكان، من زقاق في البحرين، إلى تركيا، والمغرب الذي يرى فيها ذخيرته، سواء في مراكش أو مكناس، ولا يتعثر في وصفه لأدق التفاصيل في هذه المواقع.
كان الشيخ ناصر كنزاً مؤثراً لجميع القوى في الكويت، تأهلت مواهبه بالثقافة وتفتحت شجاعته مع حماسه للعدل، وطغت نزاهته حدود صبره عندما فاضت روائح الفساد عبر سرقات عملاقة في حجمها وفي جرأتها وفي قوة المسامير التي كانت تحرسها.. فخرج الشيخ ناصر مقتحماً المحرمات، متوغلاً في غابات الأشواك، غير عابئ بالمطبات، تحركه نزعة الامتثال للقانون، فصرخ بالصوت العالي مندداً ومؤشراً نحو البرك التي يغمرها الفساد، فأشعل الفضاء الكويتي في متابعة لصيقة لتحركاته، وفي رصد لأقواله، وإذا أردنا إبراز أجمل الملفات في حياة الشيخ ناصر، فلا شك أنها طلقاته القاتلة لمواقع الفساد وصرخاته المدوية لسيادة القانون، وتنديداته المستمرة بالاعتماد على الموالين الصامتين بدلاً من الأكفاء أصحاب الرأي المستقل.
كان آخر لقاء لي مع المرحوم الشيخ ناصر، في الصيف الماضي، ولا تخلو أحاديثه من رسم الخريطة التي يريد الكويت أن تعيشها، وفيها صخب الأفكار، وازدهار المواهب، ورقي الذمم، وعلو الأبهة في صورة الكويت.
فقدت الكويت إنساناً فارساً كشف الغطاء عن خراب الذمم في ضلوع النافذين، ورغم أن العزاء عائلي كما نشر، إلا أن الآلاف كانوا هناك يصلون عليه، داعين المولى أن يحيطه برعايته، ومتمنين نشر الملفات التي أدان محتواها.
لم يكن من الحالمين، كان واقعياً، دخل الأعاصير بمفرده دون حماية، وتوغل في العمق بلا نصير، سوى إرادته ودعم الناس له، وكان يريد الاستمرار لكن القدر أفقده شحنات الاستمرار.
العزاء الصادق للشيخة حصة صباح السالم منبع الإيحاء وواحة الصفاء، وللشيخ حمد الشقيق اللصيق، وإلى الأبناء عبدالله وصباح وفهد وبناته دانة وبيبي وفتوح..
وكل من عليها فان، رحمه الله وأسكنه واسع جناته.